رمضان وإصلاح المنظومة الأخلاقية للمجتمع
قدم محمد عبد العزيز مشعل، عضو قسم البحوث والنشر بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تفسيرات آيات القرآن عن شهر رمضان.
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
أنعم الله على الأمة الإسلامية بشهر عظيم، ننتظره ونترقبه بكل شوق ومحبة، ألا وهو شهر رمضان، يحل ضيفًا مرة كل عام، ويمضي سريعًا!، وصدق الله إذ قال: ﴿أَيَّامًامَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة 184].
والمؤمن البصير من يحسن استثمار هذا الشهر،ويجعل منه فرصة لمراجعة النفس وتقويمها، ويحاسب نفسه ويصلح شأنه؛ليخرج منه مغفورا له، يقولالحسنالبصري – رحمهالله -:
ورمضان مدرسة ربانية للمؤمن، يتعلم فيه كل خير، ويبتعد عن كل شر،فهو يدرك القيم الأخلاقية ويعايشها من خلال ما يفرضه عليه الصوم من ضبط النفس وتهذيبها،فالصوم جامع للقيم والأخلاق.
وبالنظر إلى واقعنا المعاصر نرى معاناة أخلاقية،راجعةإلى غياب الوعي الديني والأسري والثقافي والاجتماعي، وعدم إدراك المسؤولية الدينية والمجتمعية.
ولهذا يكون شهر رمضان فرصة حقيقية لإصلاح المنظومة الأخلاقية للمجتمع، ويكون ذلك من خلال الصوم،فالشرع ليس مقصده من الصوم الجوع والعطش؛ وإنما تحقيق التقوى كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواكُتِب َعَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة183]، وهذا ما أكده نبينا صلى الله عليه وسلم ببيان أن الغاية من الصوم إصلاح المنظومة الأخلاقية، وأنه وقاية للمؤمن من الزلل والوقوع في الرذائل، قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)
ومن هنا يتبين أن إصلاح المنظومة الأخلاقية من خلال الصوم مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وغاية مرجوَّة من الصوم، وهذا ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأكد على أنه لا حاجة لامتناع الإنسان عن المأكل والمشرب دون توقف عن القبيح، وعن كل ما يؤذي الفرد والمجتمع، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ).
وبالنظر إلى صور إصلاح المنظومة الأخلاقية في شهر رمضان من خلال الصوم نجدها كثيرة ومتعددة، فأكثر مشكلات المجتمع ترجع إلى ما يصدر من بعض الناس من آفات اللسان كالغيبة والنميمة وقول الزور، والسبّ والاستهزاء والسخرية، وكل ذلك يساهم بشكل كبير في إفساد المجتمعات والتي يترتب عليها القطيعة والفساد والشحناء والبغضاء والاعتداء على الغير بالقتل وغيره.
ولهذا ينبغي على المؤمن بحق من يجعل صيامه بداية حقيقية لمعالجة ما يقع فيه من آفات تؤدي إلى فساد المجتمعات، ومعالجة النفس بإمساكها عن كل فعل أو قول قبيح، عندها تتحقق الغاية الأسمى من الصوم وأنه وقاية له من الزلل مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ).
ومن الصور أيضًا تدريب النفس على الصبروكظم الغيظ والعفو والصفح عن المخطئ، فالمتأمل لواقعنا المعاصر يلاحظ أننا نفتقد هذا كله، وهو ما يعالجه الصوم من خلال ضبط النفس وإحكامها، وهذا المعنى يتضح من خلال توجيهه صلى الله عليه وسلم إلى تجاهل من يعتدي على الصائم باللفظ وغيره، وعدم الانسياق وراءه، وهذا ما أكدهنبينا صلى الله عليه وسلم في توجيهه للصائم قائلًا: (وإنْ امرؤ قَاتَلَهُ أو شَاتَمهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌمرتين)، وهذا لعدم الانسياق وراء المعتدي والأخذ والرد معه.
ومن الصور أيضًا نبذُ الفُرْقَة والاختلافِ وذلك من خلال توحيد الأمة،ووحدة الصف وهذا ظاهر في اجتماع المسلمين على صلاة القيام والاعتكاف والإفطار.
والحقيقة أن رمضان هو مدرسة القيم والأخلاق، ودروسه لا تنتهي، وعلى المسلم أن يستثمر هذا الشهر في تقويم ذاته وتغييرها، ويجعل من هذا الشهر بداية لذلك إلى أن يلقى الله عز وجل.