“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَاتُسْرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”.. الإفتاء تفسر

شرح هنيدي هنيدي عبدالجواد، مدرس التفسير وعلوم القرآن وعضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بعض الآيات القرآنية.

ودعت الشريعة الإسلامية إلى الوسطية والاعتدال في كل جوانب الحياة، عقيدةً، وشريعةً، ومنهاجًا، وحذَّرت من الغُلُو والتطرف، والانحلال والتسيُّب، إذ إن الوسطية هي السبيل الأوحد لنشر الدين، وتعايشه مع الأديان والثقافات الأخرى، وصلاحيته لكل زمان ومكان.

وقد أنعم الله عز وجل علينا بنِعمٍ كثيرةٍ، لا تُعد ولا تُحْصى، كنِعْمةِ المياه والمال والطَّعام والشراب، وقد أوجب الله علينا شكرها، ومن واجب شكرها استخدامها استخدامًا وسطيًا متوازنًا عادلًا، دون منعٍ أو إهدارٍ، وهذا أدْعَى لزيادة نِعم الله عزَّ وجل علينا، واستمرارها، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِوبْنِ الْعَاصِي،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ،فَقَالَ: «مَاهَذَا السَّرَفُ يَاسَعْدُ؟»قَالَ: أَفِيالْوُضُوءِسَرَفٌ؟قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ». مسندأحمد (11/ 637).

هذا، والله عزَّ وجل في كتابه الكريم قد أثنى على عباده المتقين، المقتصدين في إنفاقهم لأموالهم، المبتعدين عن البُخْل والإسراف، فقال واصفًا عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْيُسْرِفُو اوَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَذَلِ كَقَوَامًا} [الفرقان: 67].

ولكن عند قدوم شهر رمضان المبارك، نلاحظ سلوكيات خاطئة لكثيرٍ من المسلمين والمسلمات، حيثيُقْبلون على شراء السلع الغذائية بإسرافٍ وبذخٍ، لإعداد أصناف عديدة من الأطعمة والأشربة، دون حاجة إلى بعضها، التي سرعان ما تَفْسد وتُلقى في القمامة، في الوقت الذي يحتاج إليها الفقراء والضعفاء والمساكين.

إننا بحاجة إلى ترشيد الاستهلاك في شهر الصوم؛ ليتمكن الصائم من كثرة الطاعة والعبادة،واغتنام النفحات الرمضانية،واجتناب التخمة والخمول عن العبادة في هذا الشهر الفضيل، جرَّاء تناول الطعام بشراهة، فلم يكن رمضان شهر الأكل والشرب وإنما شهر الروحانيات،ومما يدل على التنفير من الإسراف، أن الله عز وجل ذكر أنه لا يحب المسرفين، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «كُلُوا وَاشْرَبُواوَ البَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِيغَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَمَخِيلَةٍ».صحيحالبخاري (7/ 140).

والإسراف المنهي عنه يكون في المباح، أما التبذير يكون في المحرمات، بأن ينفق الإنسان ماله فيما يغضب الله عز وجل، وهذا اتباع لخطوات الشيطان ووساوسه، قال تعالى:{وَلَاتُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26، 27].