في ذكرى وفاته.. تعرف على حكاية للعلامة القاضي الفقيه الطَّاهر بن عاشور

استكمالًا لمشروعه التثقيفيّ «حكاية_كتاب» مركز الأزهر العالميّ للفتوى الإلكترونية يُقدِّم حكاية كتاب «مقاصد الشريعةِ الإسلاميةِ» للعلامة القاضي الفقيه الطَّاهر بن عاشور، في ذكرى وفاته التي توافق 13 رجب.

مؤلف الكتاب في سُطور

▪️هو الإمام العَلَم محمد الطَّاهر بن مُحمد بن مُحمد الطَّاهر بن عاشور.

▪️وُلد في تونس عام 1879م، لأسرة علمية عريقة، وتعلَّم في الكُتَّاب حتى أتقن حفظ القرآن، ثم التحق بجامع الزيتونة عام 1892م، وتتلمذ على يد جمهرة من مشايخِهِ حتى أحرز شهادة التطويع عام 1896م، ثم اجتاز مُناظرة التدريس من الرتبة الثانية عام 1899م، وانتقل إلى مناظرة التدريس من الرتبة الأولى واجتازها عام 1903م.

▪️تقلَّد عديدًا من الوظائف أهمها: نيابته لدى نظارة جامع الزيتونة، ثُم عضويته للجنة تنقيح برامج التعليم، وتعيينه حاكمًا بالمجلس المختلط سنة 1909م، وقاضيًا مالكيًّا سنة 1911م، ثم ارتقائه إلى رتبة الإفتاء سنة 1932م، واختياره لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وثم توليه مشيخة جامع الزيتونة عام 1944م، ثم عمادة جامعة الزيتونة في أبريل 1956م.

▪️ألَّف القاضي ابن عاشور عديدًا من المؤلفات تصل إلى أربعين مؤلَّفًا، أبرزها: «تفسير التحرير والتنوير»، و«تحقيقاتٌ وأنظار في القرآن والسنة»، و«التوضيحُ والتصحيح في أصول الفقه»، و«أصولُ النظام الاجتماعيّ في الإسلام»، و«الوقفُ وأثره في الإسلامِ»، و«موجز البلاغة»، و«شرحُ ديوان النابغة»، و«مقاصدُ الشريعة الإسلامية».

▪️كان رحمه الله صاحبَ أخلاقٍ رفيعةٍ، متواضعًا، ذا صبرٍ، وعلو همَّة، وترفُّع عن الدنيا.

▪️رحل الإمام ابن عاشور عن عالمنا عام (1393هـ/ 1973م)، عن عمر ناهز الـ 98 عامًا، بعد رحلة طويلة من البذل والعطاء، رحمه الله رحمة واسعة.

سبب تأليف الكتاب

سعى المؤلِّف رحمه الله من وراء هذا الكتاب إلى تأصيلِ علم المقاصد الشرعية الإسلامية؛ باعتباره عِلْمًا قائمًا بذاته، يؤدِّي إلى فَهْم المقاصد العالية، والغايات البعيدة لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد ذكر في مقدمة الكتاب أنَّ الكلام حول هذا العِلْم وتأصيله لم يأت إلا شذَرَاتٍ متناثرةٍ، كما في إشارات الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتاب «قواعد الأحكام»، وكتاب «الفروق» للإمام القرافي رحمه الله، وأن أول من أفرد مؤلَّفًا لبيان هذا الفن هو الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه «الموافقات»، ولكن يؤخذ على كتاب الموافقات -من وجهة نظر ابن عاشور- أن به تطويلًا زائدًا، وإغفالًا لبعض المقاصد المُهمَّة؛ وهو ما دفعه للتأليف فيه، باقتفاء أثر الإمام الشاطبي في «الموافقات»، في عمل مستقل لا ينقل عن الإمام، ولا يَختصر كتابه.

بين يدي الكتاب

يدور كتاب «مقاصد الشريعة الإسلامية» حول البحث في مقاصد الشريعة الإسلامية، وكيفية استثمارها في الصناعة الفقهية.

بدأت حكايته حينما أملاه الشيخ الطاهر على تلامذته من طلبةِ الزيتونة، في طريقة عرض مدرسية تفصيلية، تهتم بالتقسيم، والتقعيد، والتمثيل، والاستدلال.

وقد قسَّم المؤلِّف الكتاب إلى ثلاثة أقسام:

الأول: دلّل فيه القاضي ابن عاشور على مقاصدية الشريعة الإسلامية، وبين أن الله لم يُشرِّع تشريعاته عبثًا، وأنَّه سبحانه وتعالى قد أرسل رسله الكرام؛ لإقامة نظامٍ متكامل يُصلِح حياة الناس، من خلال أحكام ومقاصد عليا تحقق هذا النظام، يستطيع الفقيه بدرايتها والتمكن فيها النَّظرَ والاجتهاد.

الثاني: عنون له ابن عاشور بقوله: «مقاصد التشريع العامة»، وبين فيه أن الفطرة هي المقصد الأعظم لبناء الشريعة الإسلامية، ثم استكمل بيان المقاصد العليا للتشريع، مثل: السماحة، والمساواة، وطلب الشريعة للمصالح ودفعها للمفاسد، ودلَّل على هذه المقاصد بنصوص الشريعة المؤكِدة لها، وفي القسم نفسه تناول الإمام بعض القواعد الشرعية وشروحها، ورأى اندراجها في المقاصد العامة للتشريع.

وفي قسم الكتاب الأخير: تناول الفقيه ابن عاشور المقاصد الشرعية الخاصة بأحكام المعاملات بين الناس، وأحكام العائلة والأسرة التي تقوي روابط الألفة والمودة فيها، وتضمن بقاء النسل، وتربيته بما يؤهله للقيام بدوره في نفع الناس وإعمار الكون.

كما بيَّن فيه المقاصد الشرعية لأحكام المعاملات المالية، وتكوين الثروات للفرد والأمة، التي لا يمكن انتظام شئونها أو إقامة حضارتها دون حسن إدارة مقدراتها، وتدبير شئونها المالية.

وتحدَّث أيضا عن المقاصد الشرعية لأحكام القضاء في الإسلام، والتي تهدف إلى إقامة الحق والعدل، وحماية الحقوق، ويهدف نظام العقوبات فيها إلى منع الفوضى، ورفع الضرر، وزجر المعتدي؛ بما يحافظ على النظام الحضاريّ للأمة.

ما يتميز به الكتاب

عدّ كتاب «مقاصد الشريعة الإسلامية» مرجعًا فقهيًّا مُهمًّا للفقهاء والمتخصصين في مجال الفتوى، والمبتدئ غير المختص يحتاج إلى متابعة شروحه، ومعاودة قراءته مرة بعد مرة، حتى يتسنى له فهمه والاستفادة منه.ب

ما بيَّنه الشيخ في كتابه من صلاحية شريعة الإسلام وإصلاحها لكل زمان ومكان وحال بما تشتمل عليه من حِكَم، وتراعيه من مصالح ومقاصد.

جاء عرض الكتاب في أسلوب أكاديمي مدرسي مرتب ورصين يشتمل على تقعيد، وتقسيم، وتمثيل، واستدلال.

وبعد؛ فالكتاب قيِّم في مادته، مؤصِّل لفن المقاصد، مبيِّن لأهميته وأدلته، مهَّد به الشيخ ابن عاشور طريق البحث والتأليف في هذا العلم المهم لكل من أتى بعده، فجزاه الله خير الجزاء، وجعل هذا العمل في ميزان حسناته ? اللهم آمين.