دار الإفتاء توضح حكم التداوي بأجزاء من جسم الخنزير
شهدت الأيام القليلة الماضية، جدلًا حول واقعة زرع كلية خنزير في جسد سيدة خلال عملية جراحية شهدتها بريطانيا، وبعيدًا عن جدوى العملية من الناحية الطبية، فإن هناك تساؤلات من الناحية الدينية حول مدى جواز ومشروعية الاستعانة بأجزاء ومشتقات من الخنزير للتداوي والعلاج والعمليات الجراحية، لاسيما أنَّ لحم الخنزير محرم في الشريعة الإسلامية.
التداوي بمشتقات الخنزير
وفي هذا الصدد، تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالًا حول «جواز استخدام مشتقات من الخنزير في العلاج والتداوي بها»، واستشهد السؤال باستخدام بعض مرضى السكر مادة الأنسولين المستخرجة من غدة البنكرياس لحيوان الخنزير باعتبارها شديدة الشبه بالمادة التي يكونها البنكرياس البشري بخلاف المادة المستخرجة من بنكرياس الأبقار.
التداوي بالمحرمات
وأجاب عن هذا السؤالـ الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، مؤكّدًا أنَّ الفقهاء اختلفوا حول جواز التداوي بالمحرمات ومنها أجزاء الخنزير، فمنهم من حرمه، ومنهم من أباحه عند الضرورة بشرطين.
أحدهما: أنَّ يتعين التداوي والنقل بالمحرم بمعرفة طبيب مسلم خبير بمهنة الطب معروف بالصدق والأمانة والتدين.
والثاني: ألَّا يوجد دواء غيره، ولا يكون القصد من تناوله التحايل لتعاطي المحرم، وألَّا يتجاوز قدر الضرورة؛ لأن الأساس في هذه الإباحة الضرورة، التي تقدر بقدرها.
دار الإفتاء
وقال مفتى الجمهورية الأسبق: «نحن نرى أنَّه لا مانع من ذلك شرعًا إذا دعت الحاجة الماسة والضرورة القصوى إلى ذلك ولا يوجد بديلٌ للمُحَرَّم، والذي يقدر ذلك هم الخبراء المختصون العدول الثقات، أما بالنسبة لنقل الأعضاء، فيرى جمهور الفقهاء، أنَّه يجوز نقل عضو من أعضاء الميت أو الحيوان إلى جسم إنسانٍ حيٍّ إذا كان هذا النقل يؤدي إلى منفعة الإنسان المنقول إليه منفعةً ضروريةً لا يوجد بديل لها، وأن يحكم بذلك الطبيب المختص الثقة».
وشدد المفتي الأسبق، على أنَّ الأطباء هم سادة الموقف في مثل هذه الحالات، وهم المسؤولون مسؤوليةً تامةً أمام الله تعالى وأمام من يملك محاسبتهم على أعمالهم من رجال الطب والقانون أو غيرهم.
وأوضح مفتى الجمهورية الأسبق، أنَّه إذا كان يمكن أخذ هذه الخلايا من الحيوان الطاهر كالأبقار أو غيرها يكون أفضل؛ لأن الحيوانات النجسة كالخنزير لا يجوز اللجوء إليها إلا عند الضرورة القصوى إذا تعينت، ولا تصح في وجود الأجزاء الطاهرة المباحة.
وأشار «واصل» إلى أنَّه «إذا كانت الضرورة ملحة في أخذها من حيوان الخنزير فإنّها تكون ضرورة يجوز العمل بها؛ لأن زرع عضوٍ من حيوانٍ كالخنزير في جسم إنسانٍ مسلمٍ يعتبر من الضرورات عند عدم وجود الحلال، فالأصل ألَّا يكون ذلك إلا عند الضرورات، وللضرورة أحكامها، على أن يُراعَى بأن ما أبيح للضرورة- يقدر بقدرها- وأن يقرر ذلك الثقات العدول من أطباء المسلمين».
واستطرد المفتى الأسبق، في اجابته عن حكم التداوي بأجزاء ومشتقات من الخنزير قائلًا: «قد يقال بأن الخنزير نجسٌ؛ فكيف يجوز إدخال جزءٍ نجسٍ في جسد مسلم؟ ونقول: (إن الممنوع شرعًا هو حمل النجاسة في الظاهر، أما في داخل الجسم فلا دليل على منعه؛ إذ الداخل محل النجاسات من الدم والبول والغائط، والإنسان يصلي ويقرأ القرآن ويطوف بالبيت الحرام، والنجاسة في جوفه ولا تضره شيئًا)».
لقاح كورونا من الخنزير
ومن جهته، حسم الأزهر الشريف الأمر، حول استخدام مشتقات من الخنزير في لقاح كورونا أو تداوي المرضى، مؤكّدًا أنَّ «الأصل في الشرع الحكيم جواز الانتفاع بكل طاهر غير مُضِرٍّ من الأشياء في الغذاء والدواء، والأصل فيه أيضًا حرمة الانتفاع بكل ضار مستقذر شرعًا من الأشياء غذاء أو دواء، إلا عند الضرورة أو الحاجة الشديدة، بضوابط مخصوصة».
وأضاف الأزهر، في نص فتوى رسمية: «من الضرورة الوقاية من الأمراض؛ فيباح تناول ذلك اللقاح، لكن بشروط هي أن يتعين تناوله وسيلة للوقاية من الوباء أو لمكافحته، بألا يتوفر لقاح آخر يكون خاليًا من المحظور، وألا يترتب على استخدامه ضرر آخر مساوٍ له، أو أزيد منه، ويهيب الأزهر الشريف بالمراكز البحثية العمل على إنتاج لقاحات أخرى فعالة خالية من المشتقات المحظورة»، موضحًا أنَّ نفس الأمر ينطبق على العمليات الجراحية، فالحكم الشرعي هو الجواز للضرورة.